كلمة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في المؤتمر الدولي الرابع

كلمة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في المؤتمر الدولي الرابع حول المبادئ الأخلاقية والتشريعية في أوقات الصراعات الدولية معالي السفير /منير الفاسي مركز الأزهر للمؤتمرات 27-28/4/2024


أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة الحضور الكريم
أستهل بيان جامعة الدول العربية بتحية ملؤها التقدير والاحترام لفضيلة الإمام الأكبر أ.د/أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف
وبشكر وامتنان لسعادة أ.د/سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر على الدعوة الكريمة التي نعتز بها عاليا.
إن مصدر اعتزازنا الكبير مرده المكانة المتميزة التي يحظى بها الأزهر الشريف في قلوبنا ووجداننا، كمنارة علم عربيا وإسلاميا وكصرح معرفة محليا وعالميا، وكمقصد من مقاصد الباحثين عن الفقه والمعرفة في موطن الحضارات وعند مشايخ الحكمة والاعتدال.
ويطيب لي في مستهل كلمتي أن أنقل تحيات معالي الأمين العام أحمد أبو الغيط وتقدير سيادته لجامعة الأزهر كمشعل علم ومعرفة، وكمركز بحث وحوار وتفكر في عصر نشهد فيه تنامي التحديات وتزايد الصراعات على نحو يضع المبادئ الأخلاقية والتشريعية على المحك.
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة الحضور الكريم
"المبادئ الأخلاقية والتشريعية في أوقات الصراعات الدولية" هي مبادئ دينية وشرعية قبل أن تكون مبادئ قانونية وضعية. فالأساس في الحرب قتال المقاتلين وليس القتل والهدم والتخريب. هكذا جاء ديننا الحنيف. وهكذا تمت صياغة القانون الدولي.
وحديثنا عن القانون الدولي هو حديث عن القانون الدولي الإنساني القائم على حماية المدنيين من آثار النزاعات المسلحة، وفرض قيود على أساليب الحرب وطرائقها، كما أنه حديث عن حقوق الإنسان كحقوق مترابطة متشابكة غير قابلة للتجزئة من حق أي إنسان التمتع بها في كل وقت وحين.
إن تراثنا العربي، الأخلاقي والروحي والديني، لم يكن في أي وقت بعيداً عن مفهوم حقوق الإنسان أو معادياً له، بل إن هذا التراث، بمعناه الواسع، هو أصل هذا المفهوم ومنبته الأول.
وقد شكلت نشأة الأديان والنظم الأخلاقية والروحية بالشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط أول إشراقة لمفهوم الكرامة البشرية، والحقوق الأصيلة للإنسان في ألا يُستعبد أو يُنتهك في جسده أو يؤذى في ضميره أو يُقيد في حريته.
وواقع الأمر أن الظرف الحالي الذي تمر به منطقتنا يُمثل تحدياً هائلاً أمام خطاب حقوق الإنسان، سيما مع تصاعد وثيرة الصراعات، وما يصاحبها من انتهاكات غير مسبوقة في حدتها ووحشيتها لأبسط حقوق الإنسان في الحياة والعيش الآمن. وما يحز في القلب أن أول الضحايا هم الفئات المستضعفة من النساء والأطفال الذين يقعون فريسة شبكات الاتجار بالبشر التي تمتهن دون حسيب أو رقيب مهنة بيع الإنسان.
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة الحضور الكريم
لا تخفى عليكم الظرفية الدقيقة والعصيبة التي تمر بها قضيتنا الأولى. القضية الفلسطينية العادلة. لن أخوض في الوقائع السياسية. بل سأكتفي بمعطيات حقوقية موثقة وصادمة ومعبرة. حق الحياة ينتهك نهارا جهارا على نحو متواصل من قبل قوات الاحتلال. نساء وأطفال ورضع يفقدون حياتهم يوميا جراء عدوان جنوني. شعب بأسره يتعرض لعقاب جماعي دون جرم أو ذنب. آلاف المنازل تهدم ويهدم معها حق السكن. المستشفيات تقصف ويقصف معها الحق في الصحة. حرمة المدارس تنتهك وينتهك معها حق التعليم. المياه تلوث. الأراضي تنتزع. وزد على ذلك قائمة لا متناهية لانتهاكات القوة القائمة بالاحتلال للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب، ولقواعد ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان. بل ونشهد أيضا مع هذا وذاك تحد لأحكام القانون الجنائي الدولي وتوجه نحو القضاء على الحق الأساسي للفلسطينيين وهو حقهم في الحياة على أرضهم. وهنا نؤكد ونقول، حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة لا نقاش فيه. وحق دولة فلسطين في عضوية كاملة بالأمم المتحدة لا جدال فيه. بل وإن حق المحاسبة القانونية والقضائية للمسؤولين عن الانتهاكات لا تراجع عنه.
وحيث أن حقوق الإنسان من بين المحاور الرئيسة لهذا المؤتمر، فنشير إلى أن جامعة الدول العربية أكدت في شهر ديسمبر الماضي بجنيف، والأمم المتحدة تخلد مرور (75) عاما على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن الرقم (75) لا يعني لنا شيء سوى مرور (75) عاما على احتلال أرضنا في فلسطين.
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة الحضور الكريم
تبقى كلمة حقوق الإنسان ثقافة ووعي وتعليم وتنشئة قبل أن تكون قرارات تُفرض، أو قوانين تُسن.
هذه الثقافة هي البنية التحتية الضرورية التي يقوم عليها صرح القوانين والتشريعات والمواثيق الإقليمية والدولية.
ولا شك أن هذا المؤتمر يُمثل خطوة نحو إثراء النقاش العام حول قضايا القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وسبل كسب المعارك القانونية التي تنشأ بالتوازي مع الصراعات المسلحة.
***وشكراً لكم على حسن إصغائكم