كلمة فضيلة مفتي الديار المصرية أ.د/ شوقي علام في المؤتمر العلمي الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين أما بعد ،
فضيلة الأستاذ الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر الموقر.
سعادة الأستاذ الدكتور محمود صديق نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث.
سعادة الأستاذ الدكتور عطا السنباطي عميد كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.
السادةُ الحضور الكرام من العلماء والأساتذة والباحثين/ في بداية حديثي أود أن أعرب عن سعادتي البالغة بوجودي معكم في هذا المؤتمر المبارك الذي ينظمه صرح عريق من صروح الشريعة المطهرة، وحصنُ عتيدُ من حصونها المنيعة، فكلية الشريعة والقانون هي قلعة من قلاع الأزهر الشريف التي تذود عن الشريعة المطهرة وتحامي من أجل الحفاظ عليها أصولا وفروعا ومقاصد، وتعمل من أجل حماية تراثنا الإسلامي والحفاظ عليه، وتبذل جهودا كبيرة من أجل ربط هذا التراث لا سيما تراثُنا الفقهيُّ والإفتائيُّ بالواقع المعاصر على مااستجد فيه من نوازل ووقائع وقضايا معقدة تحتاج إلى مزيد من العمل والاجتهاد حتى يتمَّ ربط الشريعة المطهرة بالواقع الذي يحياه الناس
وكلية الشريعة والقانون جمعت في مناهجها بين تدريس أصناف من العلم المختلفة، منها ما يتعلق بما يضبط الفهم والاستنباط من النص، كعلم أصول الفقه وقواعده وما يتصل بهما من مباحث، ومنها ما يتعلق بفهم النص وما يستنبط من أدلته المعتبرة، وهو الفقه بأقسامه المختلفة، ومذاهبه المتعددة.
وجمعت مع ذلك كله علومَ القانون بأقسامه المختلفة وشروحه المتعدده وتاريخه العميق.
وكانت على مر تاريخها المبارك منارة لنشر الخير والحق، وكانت ولا زالت خير داعم لمسيرة وطننا العزيز مصر نحو التقدم والاستقرار وحمايته من التطرف والإرهاب ، وبذل علماؤها الأجلاء وسعهم في ربط علوم الشريعة المؤصلة بالواقع المعاصر، وبنوا جسورا من الثقة والتواصل بين الأصالة والمعاصرة، فهم على ثغر عظيم من ثغور الدين والوطن
وإن أكبر دليل على ما أقول هو حسن اختيار موضوع هذا المؤتمر الذي تشتد حاجة الأمة إلى مناقشته في هذه الأوقات والظروف العصيبة التي يمر بها عالمنا المعاصر، والذي جاء بعنوان (المباديء الأخلاقية والتشريعية في أوقات الصراعات الدولية).
ذلك أن هذاالواقع يملي علينا أهمية بحث التغيرات الاجتماعية والتطورات الأخلاقية التي تحدثها الصراعات والحروب وما ينجم عنها من آثار سلبية خطيرة على الأفراد والمجتمعات المنكوبة بهذه الصراعات، ويملي علينا كذلك وفق ما تؤكده مقاصد الشريعة الإسلامية المطهرة من ضرورة العمل على حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهي المقاصد الكلية التي جاءت الشرائع الإلهية بحفظها ولا تختلف الدساتير الإنسانية على ضرورة الحفاظ عليها، وإن رعاية هذه المقاصد والحفاظ عليها لا تتم إلا من خلال الالتزام الأخلاقي والقيمي الذي لا يسمح بمبدأ العدوان ولا يجيز الظلم والاعتداء تحت أي ذريعة من الذرائع التي تستخدمها الدول المعتدية لخوض هذه الحروب وفرضها في الواقع، وكذلك فإن الالتزام الأخلاقي يمنع من استعمال القوة حيثما تنفع المباحثات والمفاوضات، ولا تسمح باستعمال القوة المفرطة حالة الدفاع عن النفس، وكل هذا يندرج تحت قاعدة ارتكاب الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، والترجيح بين المصالح والمفاسد،.
كذلك، أيها العلماء، فإن الالتزام بالقيم الأخلاقية يحملنا مسؤلية مساندة الشعوب المنكوبة والتخفيف من آثار العدوان وذلك بكل الوسائل الممكنة من أجل رفع المعاناة عن الشعوب المظلومة التي تعاني من ويلات الصراعات والحروب والفتن.
أيها السادة العلماء الأجلاء
إن العمل على حماية الأبرياء المنكوبين والمتضررين من جراء الحروب والصراعات وبحث سبل ووسائل إيصال المساعدات إليهم، وتخفيف آثار العدوان عليهم، هو من أهم انعكاسات الالتزام الأخلاقي والقيمي تجاه هؤلاء الأبرياء، ولا يتناقض ذلك مع السعي لمنع العدوان وإيقاف الحروب والصراعات بالجهود الدبلوماسية، وإن الواقع ليشهد بأن مصر بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي حفظه الله تعالى لتبذل كل جهدها وتستفرغ كل وسعها وتستعمل جميع إمكاناتها المتاحة من أجل رفع المعاناة والظلم عن الشعوب المنكوبة، وتبذل كافة الجهود من أجل إيقاف العدوان، وإن التشكيك في دور مصر التاريخي أمر يدعو إلى التعجب والحزن،
لكن ذلك الافتراء على مصر لن يثني عزيمتها وعزيمة قائدها عن القيام بواجب تمليه علينا معطيات تاريخية وحضارية وإقليمية ودينية لا تخفى عليكم أيها العلماء الكرام، إنه واجب الالتزام الأخلاقي الذي تضطلع به مصر دائما تجاه أشقائها وتجاه جيرانها وتجاه شعوب العالم كله، ولذلك فإن الالتزام الأخلاقي يملي علينا أيضا أن ندعم الدور المصري تجاه جيرانها ، ونحن نرى بأم أعيننا أن مصر تفتح ذراعيها للجميع وتمد يد العون للجميع، ولا يمنعها من القيام بذلك أية ظروف اقتصادية أو ضغوط دولية لا تخفى على ذي لب بصير وعقل سديد
إن الالتزام الأخلاقي والقيمي الذي تضطلع به مصر ورئيسها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ليدل دلالة قاطعة على أن مصر لا تقدم شيئا على المباديء والقيم والأخلاق، ولا تستبيح لنفسها أن تتحمل مسؤولية تاريخية مشينة تجاه جيرانها مقابل بعض المصالح والمكاسب المادية الزائلة مهما كانت الظروف ومهما كانت الضغوط، وستظل راية مصر بلد الأزهر الشريف عالية خفاقة ومنارة للقيم والأخلاق ، وملاذا آمنا لكل طالب أمن وأمان، وسندا لكل مستضعف جارت عليه الظروف العصيبة.
أكرر شكري وامتناني لكل مؤسسات الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وأثمن كل جهد يبذله الأزهر الشريف من أجل ، حماية المستضعفين في كل مكان، ومن أجل منع الآثار الوخمية للحروب والنزاعات، وكلنا أمل في الله تبارك وتعالى أن يعم الأمن والسلام شعوب المنطقة والعالم، وأسأل الله العلي العظيم أن يرد كيد كل معتد آثم وأن يغيث المستضعفين ويرحم الشهداء ويداوي الجرحى ويرد الحق إلى أهله إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.